أكيرا يعتبر أحد أهم الأعمال التي أخرجت صناعة الانمي من اليابان إلى العالم أجمع. فلا يسع للمرء إلا أن يقف مذهولًا أمام الإنفجار الرهيب لهذه الصناعة بعد الفيلم.
قبل الإنخراط في تفاصيل الفيلم لنأخذ خطوة للوراء حتى نصل للثمانينات اليابانية
- الثمانينات اليابانية: عقد الإزدهار
انتهت الحرب العالمية الثانية في الأربعينات وكما يعلم الجميع خسرت اليابان الكثير خاصة بعد قنبلتي هيروشيما وناغازاكي ، فلم يكن أمام الحكومة اليابانية سوى الإستسلام للحلفاء فوقعت على صك الاستسلام عام 1945 والذي ينص على إيقاف جميع الاعتداءات اليابانية وحل الجيش الياباني.
حيث أعرب القائد الأعلى لقوات التحالف "دوغلاس مك آرثر" عن أمله في تلك اللحظات قائلا :
"أملي الصادق، وبالفعل أمل البشرية جمعاء، أنّ هذا الحدث المهيب سيُخرجُ عالمًا أفضل من بين دماء ومذابح الماضي"
سائل يسأل : إذا لم تمتلك اليابان جيشًا فكيف تحمي سيادتها أمام الدول المجاورة ؟
سأجيبك : بأنّ اليابان تمتلك جيشًا يسمى بـ "قوات الدفاع الذاتي" يدافع عن أرضها ويحمي أمنها. هذه القوات تدار عن طريق الحكومة الأمريكية حتى لا تصبح اليابان قوة عسكرية كبرى تهدد العالم.
هذا الحال جعل الحكومة اليابانية تركز أكثر على الصناعة والتقنية فأصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم خلال الثمانينات مما هدد مركز أمريكا كأكبر اقتصاد في العالم. 😅
عامل آخر جعل اليابان تصل لهذا المركز هو ما يسمى بـ إتفاق بلازا ، والذي ينص على اتفاق عدد من الدول العظمى ومن أهمهم أمريكا واليابان وفرنسا والمملكة المتحدة على خفض قيمة الدولار حتى تستطيع أمريكا المنافسة مع الدول الأخرى في صادراتها وعدة أسباب لا يسع لنا ذكرها هنا.
إنخفاض قيمة الدولار جعل قيمة الين الياباني تصل إلى قيمة مهولة، وبما أن الاقتصاد الياباني بالفعل معتمد على الصادرات ازدهر الاقتصاد وأصبحت اليابان مسؤولة عن ثلث سوق الأسهم العالمي (Economist, 2011)
هذا الازدهار الاقتصادي أخرج لنا الكثير من استديوهات الانمي الرائعة والتي أنتجت لنا العديد من الأفلام والمسلسلات عالية الجودة - نعم! هذا هو "عصر الانمي الذهبي"
هذا العصر هو العصر الذي كانت فيه الاستديوهات تنفق الكثير من المال على أعمالها وكان المستهلك في الجهة الأخرى على أتم الجاهزية لإعطاء ماله لتلك الاستديوهات مقابل المتعة الفنية والبصرية التي يتحصل عليها. فعلا إنه فوز لكل الطرفين.
- ما الذي يميز أكيرا عن غيره من الأفلام ؟
- الجانب الأول : جانب القصة
يعتبر أكيرا أحد أهم الأعمال في تاريخ الانمي الياباني لعدة أسباب من ضمنها ضخامة الإنتاج ( والذي يقدر بـ 8 مليار ين ياباني ) والقصة والأجواء المثيرة للإهتمام ..
مخرج الفيلم هو كاتسوهيرو أوتومو ، وهو أيضًا مؤلف ورسّام المانجا التي يعتمد عليها الفيلم.
*لا داعي للقلق لن أحرق التفاصيل المهمة في الفيلم*
يبدأ الفيلم بلقطة تظهر انفجار ضخم جدا يمحي مدينة طوكيو عن وجه الأرض في عام 1988 والذي ينقلنا للقطة أخرى للعام 2019 بعد الحرب العالمية الثالثة أي بعد 31 سنة من حادثة الإنفجار - لمدينة جديدة تُعرف فيما بعد بـ نيو-طوكيو أو طوكيو الجديدة.
نيو-طوكيو مدينة سايبربنكية، تمتلك تكنولوجيا متقدمة، ويتضح عليها التأثير الرأسمالي لكثرة الدعايات الإعلانية والأنوار في السماء، لكن رغم كل هذا التقدم يظهر كذلك أنها مدينة فاسدة، مرتع للعصابات والطوائف الدينية والأحزاب، والبقاء فيها للأقوى!
محور أحداثنا الرئيسي يتمحور حول عصابة دراجات نارية يقودهم "كانيدا" وأصدقاؤه والذي من ضمنهم "تيتسوو" والذي يحاول جاهدا إثبات نفسه ضمن المجموعة.
في أحد الأيام ، يٌقبض على صديقنا "تيتسوو" بسبب إصطدامه (على ما يبدو) في أحد عينات التجارب العسكرية السرية جدا. مما يجعل صديقه "كانيدا" يبدأ في البحث عنه لإنقاذه.
هذه الـ Setting تعتبر ممتازة ولها طاقة كامنة عالية جدا من الممكن بالإستخدام الصحيح أن تنفجر.
- الجانب الثاني: جانب الإنتاج
أولا يجب أن نطّلع على كيفية صناعة اللقطة في عالم الأنميشن و أساليب سلاسة اللقطات
اللقطة التي ترونها في الأعلى من الفيلم هي لقطة مرسومة بواسطة أسلوب "لقطات على كل واحد" وهنالك أساليب أخرى مثل "على كل ثنين" و"على كل ثلاثة" - طيب، ماذا تعني ؟
كل ثانية في عالم الرسوم المتحركة والانمي تتكون من 24 لقطة ...
- أسلوب "لقطات على كل واحد" : هو الأسلوب الذي يُرسم فيه "رسمة واحدة" في كل لقطة من اللقطات الـ 24
يعني بالثانية الواحدة سترسم 24 رسمة -
- أسلوب "لقطات على كل ثنين" : هو الأسلوب الذي يُرسم فيه "رسمة واحدة" في كل لقطتين من اللقطات الـ 24
يعني بالثانية الواحدة سترسم 12 رسمة -
يعني نص الجهد، ونص الوقت المبذول، ونص الميزانية، لكن لقطات أقل سلاسة من الأسلوب الأول.
لعل هذا الـ GIF يظهر اختلاف سلاسة الحركة في كل أسلوب :
"لقطات على كل واحد" = 1s
24 رسمة في الثانية
"لقطات على كل ثنين" = 2s
12 رسمة في الثانية
"لقطات على كل ثلاثة" = 3s
8 رسمات في الثانية
"لقطات على كل أربعة" = 4s
6 رسمات في الثانية
نعود للفيلم -
أكيرا هو أحد أكثر الأفلام استخدامًا لأسلوب اللقطات على كل واحد، وعلى عكس الكثير من المقالات والمقاطع على اليوتيوب التي تشير أن الفيلم استخدم هذا الأسلوب "طيلة الفيلم" فلابد أن نشير هنا أن هذا التصريح عار من الصحة لأنه أيضًا استخدم أسلوب اللقطات على كل ثنين وعلى كل ثلاثة. لكنه كان أحد أكثر الأعمال استخداما للأسلوب الأول.
مهما كان الإنتاج ضخمًا، ومهما كنت تمتلك العديد من الرسامين الماهرين كل هذه القوى لن تخرج فيلمًا ناجحًا الا إن كنت تمتلك مخرجًا بارعًا بإمكانه إخراج أفضل مافي فريق العمل، وهذا ما حرص عليه مخرج الفيلم أوتومو حيث من أول 10 دقائق ستشاهد الكثير اللقطات والزوايا الرائعة.
وللمهتم برؤية تحليل "لقطة بلقطة" هذا مقطع ممتاز على اليوتيوب
شيء أخير ، أحب أن أشدد على جمال رسم الخلفيات واختيار الألوان والتي أظن إنها من رسم الأسطورة "شينجي كيمورا" والذي رسم أيضًا خلفيات انمي دوروهيدورو وكيكاي سينسين.
انمي دوروهيدورو : انمي كيكاي سينسين :
- ما الذي ينقص أكيرا حتى يكون أفضل فيلم ؟
أحد أهم النقاط التي يتحجج بها كارهوا الفيلم هي أنه يحاول أن يكون عميقًا ولكنه يفشل في ذلك، أو أن القصة غير مفهومة وتستلزم المشاهدة أكثر من مره حتى تفهمها. ولأكون صادقًا اتفق معهم!
أولا .. المانجا التي يَقتبس منها الفيلم مكونة من 6 مجلدات، لكن الفيلم أُنتج وكان هنالك فقط 4 مجلدات أي أن المصدر ناقص. نفس الحالة التي كانت مع الموسم الأخير من مسلسل صراع العروش الشهير. لكن بما أن المخرج هو نفسه المؤلف ( أكيد بيعرف النهاية كيف بتكون ) لذلك قرر أن يكمل انتاج الفيلم رغم عدم انتهاءه من المانجا.
عام 1993 انتهت المانجا بالمجلد السادس واستوعب القراء والمشاهدين أن الفيلم اقتبس المجلد الأول والسادس ولمّح للمجلدات في المنتصف ( الثاني حتى الخامس). فكما نرى أن هنالك 4 مجلدات من المعلومات يجب أن تؤخذ بالحسبان قبل مشاهدة المجلد السادس 😅.
على الرغم من قرار المخرج الذي يعتبره البعض كارثي، الفيلم نجح نجاحًا باهرًا على مستوى العالم. لا أعلم بشكل دقيق ما هي الأسباب لهكذا نجاح.. لكن لعل تلك الفترة كانت تنتظر أكيرا وكان أوتومو متواجدًا في الوقت المناسب.
إذا وصلت إلى هذه الفقره عزيزي القارئ/عزيزتي القارئة أحب أن أرسل لكما قبلاتي الحارة الخالية من الفتن والمعاصي وأتمنى أن تعطي الفيلم فرصة حتى تستمتع كما استمتع بقيتنا بالفيلم. ثم عد للمقالة واقرأ قسم "يزيد يحرق" لأنه هو القسم الدسم من المقالة. على أي حال أتمنى لكم يومًا سعيدًا ولقاحًا قريبًا.
صحيح لقد نسيت! تقييمي للفيلم 8/10
هذه المنطقة ستكون منطقة حرة لحرق أحداث الفيلم لمشاهديه والتعليق على بعض الأحداث والتعريضات والتحليلات الشخصية التي وجدتها في الفيلم.
- التشابه مع قصة إيكاروس وديدالوس
يحكى أنه في أحد الأساطير اليونانية كان هناك رجل يدعى "ديدالوس"، ديدالوس كان مخترعًا عبقريًا ونحاتًا بارعًا في موطنه أثينا ( عاصمة اليونان ). ديدالوس كان من أشهر الرجال في ذاك الحين حتى أنه من براعته في نحت التماثيل كانوا يقيدونها خوفًا من أنها ستتحرك في اليوم التالي.
على الرغم من شهرته الكبيرة وسمعته الواسعة لم يتحمل ديدالوس الاشاعات التي كانت تردد أنّ ابن أخته "تالوس" والذي كان أيضًا مخترعًا بارعًا سيتفوق عليه، فقام بقتله وسرعان ما انتشر الخبر ونفي من أثينا. عندما سمعت أخت ديدالوس الخبر قتلت نفسها حزنًا على وفاة ابنها الحبيب. نعم! نُفيَ ديدالوس إلى جزيرة كريـت حاملًا ندم الدنيا على كتفيه.
استقبل حاكم جزيرة كريت "مينوس" صديقنا ديدالوس بحرارة كبيرة وجعله أحد المستشارين في القصر لسمعته الكبيرة في أثينا. قابل ديدالوس هنالك "نيكاروس" وتزوجها وأنجب منها ابنه "إيكاروس".
في يوم من الأيام ارتكب ديدالوس مصيبة! حيث ساعد زوجة الملك مينوس أن تتزوج ثورًا - الأساطير اليونانية غريبة أعلم ذلك! -. المهم أنّ مينوس غضب جداً وأمر ديدالوس أن يبني متاهة للثور هذا حتى لا يخرج منها، ثم نفاه هو وابنه إيكاروس في برجٍ عالٍ.
خلال فترة سجنه تنبّه ديدالوس أنه بإمكانه الهرب عن طريق مراقبة الطيور التي تحيط بالبرج، فقرر صناعة أجنحة ليطير بها كما تطير الطيور والآلهة. وفعلا هذا ما حصل.
قبل أن يطيرا، أعلَم ديدالوس ابنه أنه يجب عليه أن يطير في المنتصف قائلًا له :
"لا تقترب من الماء فيترطب الريش وتسقط، ولا تقترب من الشمس فيذوب الشمع وتسقط"
تعليمات بسيطة ، أليس كذلك ؟
قفز الأب وابنه من البرج وكانوا أول من استطاع الطيران من البشر!
التزم الأب بالخطة طائرًا في المنتصف، لكن ابنه في الجانب الآخر لم يستمع لنصيحة والده خاصةً حين رأى البشر مذهولين من تحته، فارتفع أكثر وأكثر حتى اقترب جدًا من الشمس وتملكه احساس شديد بأنه أصبح أحد الآلهة!!
لكن سرعان ما ذاب الشمع في أجنحته وتبدد هذا الاحساس. وسقط في البحر أمام أعين والدِه ديدالوس.
"قصة جميلة يا يزيد ، لكن ما التشابه بينها وبين أكيرا ؟"
من خلال متابعتي للفيلم ذكرتني شخصية "تيتسوو" بـ أنانية ديدالوس عندما قتل ابن اخته وبحث إيكاروس عن القوة عندما طار قريبًا من الشمس.
تيستوو كان يحاول طيلة الفيلم البحث عن أكيرا وهذا كان عكس ما كان يحذره منه "الأطفال الخارقون" ، لكن تيستوو ضرب بنصيحتهم عرض الحائط واستمر في بحثه عن تلك القوة.
وهذا ما نرى تبعاته في نهاية الفيلم عندما يفقد تيستوو السيطرة على الكم الكبير من الطاقة الذي يمتلكه.
فوق هذا كلّه لم يدرك تيتسوو الفرق بينه وبين أكيرا ، كما لم يدرك إيكاروس الفرق بينه وبين الآلهة. أكيرا والأطفال الخارقون في الفيلم حسب ما فهمت هم مختارين حتى يحملوا هذه القوة عكس تيتسوو والذي يظهر لنا في الفيلم كـ شاب بشري عادي.
فلا يمكن لتيتسوو أن يتحكم بهذه القوة مهما كان لأنها ليست مخصصة له، وهذا ما ذُكر في الفيلم عندما أتى مثال مخلوق الأميبا والذي يعتبر أكثر المخلوقات بدائية على هذه البسيطة. فلك أن تتخيل إذا امتلكت الأميبا القدرة أو الطاقة على بناء البيوت والجسور ( هل ستفعل ذلك ؟ قطعًا لا ) فما تمتلكه من قدرات عقلية لا يحثها إلا على البقاء ليس البناء.
الكاتب أوتومو يحكي في الفيلم رحلة البحث عن القوة الزائدة ، القوة الغير مخصصة لنا. وهذا ما تفشل به الحكومة في بداية الفيلم مع أكيرا وما يفشل به تيتسوو في نهاية الفيلم.
وإن أردنا تسليط هذه القوة على عالمنا الواقعي ، أرى إنها القوة النووية. فما تفعله الحكومات في زمننا الحالي سعيًا لإمتلاك السلاح النووي هو نفس الذي تفعله الحكومة في فيلم أكيرا. نعم إنها قوة كبيرة لكن البشر "حتى الآن" لا يمتلكون القدرات العقلية المناسبة لإستخدامها كما يجب.
حمانا الله وإياكم،
إنتهى.
بونس:
من الأشياء الغريبة جدًا بالفيلم هي أنه تنبأ بـ الغاء اولمبياد طوكيو 2020 وهو فعلا ما حصل السنة الماضية جراء انتشار فايروس كورونا 🙂
- نتمنى ألا تحصل أي أحداث أخرى من الفيلم خاصة ما حصل ما "تيتسوو"! -
